آليات الرقابة على المال العام … العدوي تستعرض رؤية المجلس الأعلى للحسابات بالصخيرات

آليات الرقابة على المال العام … العدوي تستعرض رؤية المجلس الأعلى للحسابات بالصخيرات

قدّمت الرئيسة الأولى للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، قراءة شاملة في واقع الرقابة على تدبير المال العام، مؤكدة أن هذا الورش لا ينحصر في الجوانب القانونية والتقنية، بل يرتبط بمستوى الثقة التي يوليها المواطن للمؤسسات، باعتبارها أساس بناء الدولة الحديثة.

وخلال افتتاح يومين دراسيين بالصخيرات حول “تعزيز آليات الرقابة القضائية والإدارية على الأموال العمومية”، شدّدت العدوي على أن الرقابة القضائية والإدارية لا تكتفي بالنظر إلى مدى احترام القوانين، بل تتجاوز ذلك إلى تقييم نتائج التدبير العمومي وأثره المباشر على التنمية وجودة الخدمات، لكون هذه النتائج هي المحدد الرئيسي لرضى المواطنين.

وأبرزت أن التدبير العمومي المعاصر، القائم على النتائج، يحتاج إلى رقابة مواكِبة تساعد على التقييم والإصلاح، دون تعطيل روح المبادرة لدى المسؤولين. وهنا، أوضحت وجود تحدّيين أساسيين:
أولاً وضوح نظام المسؤولية حتى يكون المسؤول العمومي مدركاً لحدود الخطأ الجسيم وما يستوجب المساءلة؛
ثانياً ضمان نجاعة وشرعية الرقابة المؤدية إلى تحديد المسؤوليات واتخاذ الجزاءات عند الاقتضاء.

وأشارت العدوي إلى استمرار تمثلات غير دقيقة للفساد في الرأي العام، إذ تُخلط أحياناً الاختلالات التدبيرية مع الجرائم المالية، كما يجري تضخيم بعض الصور النمطية حول الفساد في حين أن الواقع أكثر تعقيداً. وسجلت أن المحاكم المالية كثيراً ما تواجه سوء فهم لتقاريرها الأولية، أو تأويلات مبالغ فيها حول الحسابات الخصوصية أو الفوائض المالية للجماعات الترابية.

وكشفت العدوي معطيات دقيقة بخصوص الشكايات المتعلقة بالمال العام، موضحة أن المجلس توصّل بين 2024 ومنتصف أكتوبر 2025 بـ77 شكاية من رئاسة النيابة العامة، لم تتضمن إلا شكايتان منها معطيات ترجّح فرضية ارتكاب أفعال تستوجب المتابعة. كما تلقّى المجلس والمجالس الجهوية 1650 شكاية خلال سنة 2024، لم يُقترح برمجة افتحاصات إلا بخصوص 14% منها.

وفي السياق نفسه، أبرزت المجهود الرقابي المتواصل للمحاكم المالية، اعتماداً على مقاربات حديثة تأخذ بعين الاعتبار دور المواطن في منظومة النزاهة، محذّرة من مخاطر الاستعمال غير الموضوعي لمخرجات الرقابة، مؤكدة أن “أضرار تمثّل الفساد قد تكون خطيرة بقدر خطورة الفساد نفسه”.

واعتبرت العدوي أن فهم السياق السوسيولوجي للفساد جزء أساسي من العمل الرقابي، الذي يرصد ثلاثة أصناف من مسببات الاختلالات:
أسباب موضوعية مرتبطة باختيار غير مناسب للأشخاص أو نصوص قانونية متجاوزة؛
دوافع ذاتية متعلقة بالرغبة في تحسين الوضع الاجتماعي؛
أفعال بنية سيئة كاستغلال النفوذ وخدمة المصالح الخاصة.

كما أبرزت أن المحاكم المالية تبني تدخلاتها على ثلاث دعامات: رقابة استشرافية مواكبة للمشاريع العمومية، ومسؤولية تأديبية لتعزيز الحكامة، وتكامل مؤسساتي بين مختلف الفاعلين، مع التأكيد على التعاون القائم مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة الاقتصاد والمالية.

وشددت العدوي على ضرورة توسيع نطاق توظيف التقارير الرقابية لتشمل المعالجة الشمولية لاختلالات الرقابة الداخلية، معتبرة أن الإحالات الخارجية من بعض القطاعات الوزارية لا تزال محدودة.

وفي سياق توضيح المقاربات الوقائية، ذكّرت العدوي بأن الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات أحال منذ 2021 إلى أكتوبر 2025 ما مجموعه 55 ملفاً على رئاسة النيابة العامة بخصوص قرائن أفعال قد تستوجب عقوبات جنائية.

العدوي تبرز مجهود المحاكم المالية

وقدّمت مثالاً واضحاً على المقاربة التقييمية للمجلس، يتعلق بتتبع المشاريع العمومية المتعثرة التي بلغ عددها 2600 مشروع بقيمة 20 مليار درهم، موضحة أن التعثر لم يكن نتيجة فساد مالي بل إشكاليات في الحكامة وغياب التنسيق، قبل أن تنخفض نسبة المشاريع المتعثرة بـ44% بعد تتبع توصيات المحاكم المالية.

وسجّلت العدوي أيضاً أن إجراءات تصحيحية اتُّخذت في السنة الماضية مكنت من تحقيق أثر مالي بلغ 140 مليون درهم.

وختمت مداخلتها بالتأكيد على أن هذا اللقاء العلمي يشكل فرصة لتعزيز دور الرقابة في ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطوير آليات العمل الزجري وغير الزجري، تحت القيادة الملكية، خدمة للصالح العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

راديو بلوس الدارالبيضاء

|

راديو بلوس أكادير​

راديو بلوس الدارالبيضاء​

|

راديو بلوس أكادير​