الصين تدفع ضريبة الإنتصار على “كورونا”
تراجع الإقتصاد الصيني بنسبة 6.8 في المائة في الربع الأول من عام 2020، وهو أول انكماش له منذ نهاية الثورة الثقافية في عام 1976، مما يؤكد الضرر الاقتصادي الهائل الناجم عن وباء فيروس كورونا الجديد.
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، واجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إغلاقا واسع النطاق كانت أضراره جسيمة على عجلة النمو رغم مساعي السلطات الصينية بث نفس جديد في اقتصاد توقف اضطراريا لأزيد من شهرين واستئناف الانتاج في المصانع تدريجيا في الأسابيع الأخيرة. لكن طريق الانتعاش الاقتصادي مازال شاقا وطويلا.
وأكدت بيانات حديثة صادرة عن المكتب الوطني للإحصاء، اليوم الجمعة، هذا الركود، الذي كان أسوأ من توقعات محللين اقتصاديين محليين ودوليين، والتي حددت تراجع الاقتصاد الصيني في 6 في المائة.
كما أظهرت البيانات أن الاقتصاد الصيني عانى، خلال شهر مارس الماضي، من ضغوطات هائلة، مع انكماش القطاعات الصناعية وقطاع التجزئة واستثمارات الأصول الثابتة مرة أخرى، بعد انهيار كبير خلال الشهرين الأولين من السنة.
وانخفض الإنتاج الصناعي، وهو مقياس للصناعة التحويلية والتعدين والمرافق العامة، بنسبة 1.1 في المائة في الشهر الماضي، بعد أن انخفض بنسبة 13.5 في المائة خلال شهري يناير وفبراير، عندما تم الجمع بين البيانات.
غير أن التصنيع تراجع بواقع 10.2 في المائة، بالرغم من إعادة فتح المصانع، مما يعكس الأضرار الوخيمة التي ألحقها الوباء بالاقتصاد الصيني.
وانخفضت مبيعات التجزئة، التي تقيس أداء الاستهلاك في أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، بنسبة 15.8 في المائة، بعد انهيار قياسي بمقدار 20.5 في المائة في الشهرين الأولين من العام الحالي، وهو أسوأ بكثير من توقعات المحللين الاقتصاديين التي تنبأت بتراجع بنسبة 10 في المائة.
وتراجع الاستثمار في الأصول الثابتة، وهو مقياس للإنفاق على مدى السنة على بنود تشمل البنيات الأساسية والممتلكات والآلات والمعدات، بنسبة 16.1 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، من أدنى مستوى له على الإطلاق وهو ناقص 20.5 في المائة في الفترة من يناير إلى فبراير. وكان المحللون يتوقعون انخفاضا بنسبة 15.1 في المائة.
أما معدل البطالة، فبلغ وفق البيانات الرسمية، 5.9 في المائة، بعد أن قارب مستويات قياسية في الشهرين الأولين ب6.2 في المئة. غير أن هذه الأرقام لا تغطي كافة القطاعات الاقتصادية لأنها تستبعد العديد من العمال المهاجرين الذين فقدوا وظائفهم أو لم يتمكنوا من العودة إلى العمل بسبب الضوابط الصارمة المفروضة على السفر والتنقل لاحتواء “كوفيد-19”.
وفي خضم جهود الدولة لتنشيط سوق العمل، قدم معرض خاص للتوظيف عبر الانترنت بالصين، مؤخرا، أكثر من 11 مليون وظيفة شاغرة. وعرضت 1.24 مليون شركة في هذا المغرض الذي انطلق في 20 مارس الماضي وينتهي حتى يونيو القادم، وظائف في قطاعات التجارة الخارجية والتكنولوجيا والطيران وغيرها.
وكانت مؤشرات عديدة على مدى الأسابيع والأشهر الأخيرة قد ألمحت إلى الآفاق القاتمة للاقتصاد الصيني في ظل سياسة الإغلاق التام التي فرضت لاحنواء تفشي كورونا، حيث أظهرت إحصاءات رسمية تراجع صادرات الصين في شهر مارس بنسبة 6.6 في المائة.
وحتى الآن، وبعد أربعة أشهر تقريبا من اعتماد أول تدابير إغلاق وطني، لا تزال البلاد تناضل من أجل تنشيط عجلة الاقتصاد. ويقدر مؤشر “تريفيوم” لأنشطة الأعمال التجارية الوطنية أن البلاد تعمل حاليا ب82.8 في المائة فقط من قدرتها الاقتصادية مقارنة بالمستويات “العادية” قبل انتشار الوباء، مما يعني أن نحو خمس الاقتصاد لا يزال عاطلا.
وأشارت دراسة حديثة أجراها ليو تشنجي، كبير الاقتصاديين في مؤسسة “أبرايت أسيت”، إلى أن الوباء ربما دفع 205 ملايين عامل إلى “عطالة تقنية”، حيث يريدون الإلتحاق بعملهم ولكن لا يستطيعون أو غير قادرين على ذلك . وأظهر بيانات صدرت أمس الخميس، أن فرص العمل في الصين انخفضت بنسبة 27 في المائة في الربع الأول من العام الحالي.
ومما يزيد الأمور تعقيدا، أن الصين تواجه ركودا عالميا حادا كانت انعكاساته سلبية على الطلب الخارجي في أوروبا وأمريكا الشمالية، مما سينعكس سلبا على نمو وانتعاش اقتصادها.
وكشف تقرير صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع أن العالم يواجه أسوأ أزمة اقتصادية له منذ الكساد الكبير في عام 1930 جراء جائحة “كورونا. وتوقعت الهيئة المالية الدولية أن يتقلص النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3 في المائة في عام 2020، وهو ما يقل كثيرا عما كان عليه أثناء الأزمة المالية في عام 2009 عندما انكمش النمو بنسبة 0.7 في المائة.
كما تنبأ الصندوق بأن ينمو اقتصاد الصين بنسبة 1.2 في المائة هذا العام، بعد أن كان قد حقق 6.1 في المائة في عام 2019 ، وهو رقم أقل بكثير من توقعات صندوق النقد الدولي في يناير البالغة 6.0 في المائة.
تهدد تداعيات “كورونا” جهود السلطات المركزية الصينية لتحقيق أولوياتها التنموية لهذا العام والمتمثلة على الخصوص في توفير فرص العمل للصينيين وانتشال أكثر من 20 مليون شخص من براثن الفقر والإرتقاء بالبلاد إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى. ويترقب محللون السرعة التي ستتعامل بها الصين لاستعادة عافية اقتصاد تعاظمت أهميته ودوره في استقرار الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة.