المغرب لا يتفاوض على صحراءه
يمكننا اعتبار الأشهر الأخيرة من بين الأشهر الأكثر إثارة وتشويقا في ملف وحدتنا الترابية والوطنية، خاصة بعد انتشار “غالي غيت” كالنار في الهشيم وما رافق ذلك من فضائح سياسية وأخلاقية وقضائية من جهة أولى، وإقالة مسؤولين كبار وتعديلات وزارية من جهة ثانية، كما عايشنا مسلسل تزييف حقائق وبروبغاندا بإخراج مفضوح ينتمي لإيديولوجيات بائدة تجاوزها التاريخ المعاصر، وهي نفس الفترة التي تميزت بتجييش غير مسبوق في صفوف الذباب الإلكتروني أو خدمات أقلام تحت الطلب لتسويق أسطوانة مشروخة.
بالمقابل تميزت الآلة الديبلوماسية المغربية في نفس الأشهر بتحقيق مكاسب سياسية كبيرة في ملف الصحراء المغربية، بعيدا عن كل بهرجة أو فبركة إعلامية، أولا، بدليل افتتاح 24 دولة لقنصليات جديدة بكل من مدينتي العيون والداخلة مما يعزز الاعتراف القانوني والديبلوماسي للدول العربية والافريقية بمغربية الصحراء، وثانيا، من خلال القرار السيادي الأمريكي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحراءه و هو القرار الذي توج مجهودات الدعم المتواصل للإدارات الأمريكية السابقة من اجل تسوية ملف الصحراء المغربية.
فالدينامية الإيجابية القائمة على حقائق التاريخ واحترام الشرعية الدولية، لا يمكن توقيفها رغم الاغراءات المالية وتقديم الرشاوي ورغم تحويل مصادر الطاقة الى سلاح للضغط والسطو على حقوق الغير السيادية.
لقد دافع المغرب بشراسة عن ملف وحدتة الترابية والوطنية، و موازاة مع ذلك كان يحترم قرارات مجلس الأمن الدولي المكلف حصريا دون غيره بالنظر في هذا النزاع الاقليمي المفتعل، و لأن المغرب يؤمن بنجاعة المؤسسات الأممية في حفظ الامن والسلم الدوليين فإنه كان دائم الانضباط لقرارات الشرعية الدولية.
إذ لم تخرج عن قاعدة احترام الشرعية الدولية حتى العملية السلمية بمعبر الكركرات ليوم 13 نوفمبر2020، لتأمين حرية نقل البضائع والأشخاص بين المغرب وموريتانيا، والتي قامت بها القوات الملكية بعد إثارة انتباه المنتظم الدولي بخطورة الاعتداءات والاستفزازات على أمن و استقرار المنطقة.
وستُـتَوج الأشهر الأخيرة بقرار مجلس الأمن الدولي 2602، والذي تضمن مكاسب قوية للقضية الوطنية كالعودة للموائد المستديرة وانخراط كل الأطراف وليس طرفيْ وغير ذلك، وهنا ستخرج الجزائر ببيانات نارية تعبر عن عميق اسفها وعدم دعمها لقرار مجلس الامن 2602، وقد فــسر أغلب المراقبين رفضها لهذا القرار، أنه بمثابة طعن وتحقير لقرارات المنتظم الدولي، كما اعتبرت عصابة البوليساريو أن قرار 2602 مخيبا للآمال وأنه مسمار في نعش مهمة دي ميستورا، هذا رغم أن ذات قرار مجلس الأمن ثمن تعيين المبعوث الشخصي دي ميستورا.
في المقابل جاءت البلاغات المغربية مرحبة بقرار الشرعية الدولية رقم 2602، كما جدد خطاب المسيرة ليوم 6 نوفمبر2021 الدعم الكامل للأمين العام أنطونيو غورتيرس ولمبعوثه الشخصي، من أجل إعادة اطلاق العملية السياسية في أسرع وقت ممكن، مع الإلحاح على ضرورة الالتزام بالمرجعيات التي أكدتها قرارات مجلس الأمن منذ 2007، والتي تم تجسيدها في لقاءات جنيف برعاية الأمم المتحدة، كما جدد نفس الخطاب التزام المغرب بالخيار السلمي وبوقف إطلاق النار ومواصلة التنسيق والتعاون مع بعثة المينورسو في نطاق اختصاصاتها المحددة (الشرعية الدولية).
وفي انتظار إطلاق العملية السياسية وبناءا على كل تلك المكاسب السياسية والديبلوماسية، فإن شركاء المغرب مدعوييـن إلى الخروج من دائرة الظل بإتخادهم لمواقف أكثر جرأة و وضوحا بخصوص قضية الوحدة الترابية المغربية، من شأنها المساهمة في دعم المسار السياسي والوصول لحل نهائي.
وبالموازاة مع الدينامية السياسية والديبلوماسية الإيجابية، فإن ملف الصحراء المغربية يعرف تحولاً عميقاً على الأرض من خلال نهضة تنموية شاملة وبنيات تحتية ومشاريع اقتصادية واجتماعية، جعلت من الصحراء منطقة جذب للاستثمارات الأجنبية وللقطاع الخاص الوطني، لكن خطاب المسيرة لسنة 2021 أكد أن الصحراء المغربية كفضاء مفتوح للتنمية والاستثمار لن تكون كذلك لأصحاب المواقف المزدوجة أو الغامضة، إذ لن يسمح المغرب بأي خطوة اقتصادية أو تجارية لا تشمل الصحراء المغربية.
فـثنائية التاريخ والشرعية، تعني روابط البيعة والامتداد التاريخي لقرون عديدة، وتعني احترام قرارات الشرعية الدولية من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي، كما تعني أيضا شرعية تمثيل سكان المنطقة من خلال المشاركة والانخراط في العمل السياسي والعمليات الإنتخابية التي انتجت مجالس منتخبة بطريقة شرعية وبكل حرية ومسؤولية مما يجعل منها الممثل الشرعي الحقيقي لسكان الصحراء المغربية.
لكل هذا فالمغرب لا يفاوض على صحراءه، لأن مغربيتها حقيقة ثابتة باسم التاريخ والشرعية والاعتراف الدولي القانوني والديبلوماسي الصريح، لكن المغرب يفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لنزاع إقليمي مفتعل، لأن مغربية الصحراء لن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات، فهي حقيقة لا نقاش فيها.
عبد الله بوصوف