الملك محمد السادس يدعو إلى تحالف إفريقي لمواجهة الجفاف

وجه الملك محمد السادس، أول أمس (الاثنين)، خطابا إلى قمة قادة الدول ورؤساء الحكومات حول التصحر والتدبير المستدام للأراضي، المنعقدة بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان، تلاه وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات؛ محمد صديقي، وهنأ الملك محمد السادس الرئيس الإيفواري، الحسن درامان واتارا، على التنظيم الناجح لهذه القمة المنعقدة حول الجفاف والتدبير المستدام للأراضي، على هامش الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، معتبرا أن هذه المبادرة المحمودة تجسد قوة العزم على تعبئة ملموسة لمواجهة مشكلة الجفاف، التي تشكل تحديا هيكليا في القارة الإفريقية، أكثر من أي مكان آخر. كما أنها تعكس بجلاء صورة هذه القارة؛ إفريقيا المبادرة التي تأخذ زمام مصيرها بيدها.


وقال الملك إن “تغير المناخ ليس قضية نظرية ولا موضوعا للنقاش العقيم، بل هو واقع مؤلم وقاس، ما فتئت آثاره الوخيمة تتزايد بفعل تعاقب موجات الجفاف بشكل أكثر حدة وتدميرا. لقد أضحى تعاقب فترات الجفاف، وما ينتج عنه من تدهور للتربة، يشكلان تحديا كبيرا وحقيقيا؛ فقد مست آثارهما، خلال العقدين الماضيين، أكثر من مليار ونصف المليار شخص في العالم، وتسببا في خسائر اقتصادية تفوق 124 مليار دولار”، أورد الملك محمد السادس في الخطاب نفسه، مضيفا “أما في إفريقيا، فقد أصبح التصحر يهدد ملايين الهكتارات، بفعل زحف الرمال الذي يتزايد في بعض المناطق بمعدل خمسة كيلومترات في السنة، علما بأن تدهور الأراضي يشكل عاملا يسهم في استفحال أوجه الضعف والهشاشة. وبالتالي، أصبح الأمن الغذائي والأمن الإنساني، والأمن بوجه عام، إلى جانب الأمن البيئي، موضوعا على المحك؛ فكل أرض تهجرها الحياة يستوطنها انعدام الأمن. وكما نرى اليوم، فالمناطق المعروفة بتدهور ظروفها البيئية بشكل بالغ هي، في الغالب، المناطق نفسها التي تندلع فيها الصراعات والنزاعات، ويضطر فيها السكان إلى النزوح والهجرة، وتسعى الجماعات الإرهابية والانفصالية إلى التسلل إليها”.

كما ذكر الخطاب الملكي أنه لا مناص من الإقرار بأن المناخ ماض في التغير، وأن الموارد المائية آخذة في التناقص، فضلا عن تزايد أعداد السكان، وتوسع نطاق المدن، في مقابل انحسار الأراضي الزراعية وتدهورها، وزاد: “إننا عازمون كل العزم على محاربة هذا العدو المشترك، بسلاح العمل المنسق والتضامني؛ فالعديد من المبادرات الإقليمية البارزة، المتوافقة مع ظروف الواقع الإفريقي، تسهم مجتمعة في انبثاق قدرة القارة الإفريقية على التأقلم مع الجفاف”، وأشاد بمبادرة أبيدجان، التي ستتوج أشغال القمة، راجيا أن تشكل أرضية لتعبئة مستدامة وعملية، حتى تتسنى ترجمة الالتزامات السياسية إلى إجراءات ملموسة. ودعا، في هذا الإطار، إلى إرساء تحالف إفريقي فعلي لمواجهة الجفاف، ومده بالموارد المالية والتكنولوجية الملائمة، والكفيلة ببلورة إجراءات فعالة وناجعة في هذا الشأن. وأردف: “بموازاة الاستحقاق المنبثق عن الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، تطرح قمة أبيدجان تصورا عمليا لا يسعنا إلا الترحيب به؛ فاقتناعنا بحتمية مكافحة الجفاف وتدهور الأراضي أمر محسوم، فقد آن الأوان للانتقال الفعلي إلى تسريع تنزيل البرامج التنفيذية لمكافحة التصحر، في إطار تعاون إقليمي وثيق وملموس يتسم بالواقعية”.

كما أشاد الملك، أيضا، بكون “مبادرة أبيدجان” تشكل استمرارا للزخم الذي أسفرت عنه “قمة العمل الإفريقية من أجل انبثاق قاري مشترك”، وشدد على أن هذه القمة التي احتضنتها مراكش، على هامش الدورة الـ22 لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP22) تبرز أن هناك تكاملا تاما بين “مبادرة أبيدجان” ولجان المناخ الثلاث الخاصة بإفريقيا، والتي انبثقت عن قمة مراكش لسنة 2016. وهي: لجنة حوض الكونغو؛ ولجنة منطقة الساحل؛ ولجنة الدول الجزرية. كما تنسجم مبادرة أبيدجان تماما مع “مبادرة تكييف الزراعة في إفريقيا” و”مبادرة الاستدامة والاستقرار والأمن في إفريقيا.

وجاء في خطاب الملك محمد السادس: “لا تنحصر مكافحة تغير المناخ في مسألة التخفيف من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بل تشمل كذلك الإدارة المستدامة للأراضي؛ فمعركتنا تقتضي التزاما على جبهات عديدة، لا سيما منها المحافظة على النظم البيئية، وحماية التنوع البيولوجي، وتقليص مظاهر الهشاشة لدى الفئات الضعيفة من السكان؛ وهي جهود نقوم بها، وبكل إصرار، على المستويين الإقليمي والدولي، مع ما يقتضيه ذلك، دوما ، من عمل مواز على المستوى الوطني”.

ومن هذا المنطلق، يضيف الملك محمد السادس، قام المغرب، الذي استضاف الدورة الـ22 لمؤتمر الأطراف (COP22)، بالرفع من مساهمته المحددة وطنيا فيما يخص الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى 45,5 في المائة بحلول عام 2030. وواصل: “حرصنا كذلك على أن يقترن دفاعنا عن إستراتيجيات التكيف والتخفيف على الصعيد الدولي بالالتزام بها على المستوى الوطني؛ وذلك من أجل تزويد بلادنا بنموذج تدبيري شامل ومستدام. فإستراتيجية ‘غابات المغرب 2020-2030’ وإستراتيجية ‘الجيل الأخضر 2020-2030’ ترومان معا تحقيق الهدف المتعلق بعكس منحى تدهور الأراضي، وتقليص حدة التصحر والتخفيف من انعكاساته، من خلال التنمية البشرية والاجتماعية”.

“التزامنا من أجل مكافحة الجفاف، والمحافظة على التنوع البيولوجي، وحماية النظم البيئية يتكامل كذلك مع عزمنا الراسخ على حفظ وحماية المورد الأساسي للحياة، ألا وهو الماء. وعلاوة على ذلك، فإن المخطط الوطني للماء، الذي أطلقناه، يهدف إلى ضمان الأمن المائي وتأمين الموارد المائية الضرورية، من حيث الكم والجودة. ومن جهة أخرى، فإن النموذج التنموي الجديد، الذي تم إعداده بتوجيه منا، يضع المحافظة على الموارد المائية وتعزيزها ضمن الرهانات ذات الأولوية لإرساء نموذج تنموي منبثق من الحاضر، ومتطلع إلى المستقبل. واعتبارا لما يكتسيه قطاع الماء من أهمية حيوية، فإن جائزة الحسن الثاني العالمية الكبرى للماء تعد، في الآن ذاته، مجالا لبلورة وعي شامل بقضايا الماء، وفضاء مرموقا للمنافسة، تتبارى فيه الحلول المبتكرة والمستدامة والمندمجة، من أجل النهوض بقضية الماء”، قال الملك محمد السادس.

وجدد الخطاب الملكي في “قمة أبيدجان”، اليوم الاثنين، التأكيد على أن مكافحة التصحر وتدهور الأراضي لتمثل بحق معركة من أجل البقاء، يتحتم أن ينخرط فيها الجميع، ولا سيما إفريقيا؛ بل ويجب ألا يقف في طريق هذا الكفاح لا غياب القدرات التكنولوجية ولا انعدام الموارد الاقتصادية، بل ولا حتى ضعف الإرادة السياسية، مجددا التأكيد على أن “الجبهات التي يجب أن نخوض فيها غمار معركتنا ضد التصحر، تتمثل في الحد من قابلية التأثر بالجفاف؛ وبناء القدرات من أجل الإدارة المستدامة للأراضي؛ والعمل على تضافر الجهود الإقليمية والدولية؛ وتيسير إعداد وتنفيذ حلول تستهدف مشكلات محددة، والتحكم في استغلال الموارد المائية. تلكم هي معركتنا جميعا، في كل آن وحين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى