من الجفاف إلى فقدان الأضحية الدرس البيئي العميق لكلفة التدهور البيئي بالمغرب

من الجفاف إلى فقدان الأضحية الدرس البيئي العميق لكلفة التدهور البيئي بالمغرب

شاءت الأقدار أن يتزامن استقبال عيد الأضحى لسنة 2025 مع اليوم العالمي للبيئة 5 يونيو وهو ما يشكل فرصة
رمزية وواقعية للتأمل في العلاقة المتوترة بيننا وبين البيئة،وهي رسالة إنذار أيضا في ظل ما يشهده المغرب من خصاص
ملحوظ في الماشية وتدهور مستمر في المنظومات البيئية تلاه قرار ملكي حكيم وإيهاب للمواطنين بعدم نحر اضحية العيد
نتيجة التحول البنيوي في منظومة تربية الماشية مع استمرار أزمة مناخية فرضت نفسها، وبلغت ذروتها هذا العام مع
وصول الجفاف والتصحر إلى مستويات مقلقة للعام السابع على التوالي مهددا للعديد من الأراضي الزراعية، ومنذرا
باستنزاف الثروة الحيوانية ومهددا للأمن الغذائي بالمغرب.
فما هو معلوم لا توجد منطقة في العالم في مأمن من التحديات البيئية الضاغطة على الثروات الطبيعية، لكن تلك التي
تواجه القارة الإفريقية وبلدنا المغرب هي تحديات ذات طبيعة شديدة بشكل خاص، فرغم أن المغرب غني ببعض الموارد
الطبيعية لكنه يواجه عجزا خطيرا في موارد حيوية كالماء وتمدد التصحر وتأثر الأراضي الزراعية بتداعيات التغير
المناخي والتدهور البيئي وعند الأخذ في عين الاعتبار سياق التحولات العمرانية والديمغرافية المتوقعة والنمو السكاني،
والتدهور البيئي في الماضي والحاضر، لابد من إثارة سؤال الكلفة الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والصحية المتوقعة
الباهظة لآثارالتدهور البيئي والتغير المناخي على المغرب وهذا ما يستدعي اهتماما خاصة فيما يتعلق بتقليص الهوة بين
التخطيط والتنفيذ.
لأن الواقع الميداني يعكس فجوة بين استراتيجيات وسياسات وطنية واطارات اتفاقية مهمة وضعف في تنفيذها خاصة على
المستوى الترابي، فرغم المجهودات المبذولة في إعداد استراتيجيات بيئية وطنية، فإن الواقع الميداني يعكس فجوة بين
التخطيط والتنفيذ. هذه الهوة تترجم إلى كلفة اقتصادية واجتماعية وبيئية باهظة، تهدد التوازنات المجالية وتقوّض فرص
التنمية المستدامة.

1. مؤشرات على التقدم في التخطيط البيئي واختلالات في التنفيذ ومحدودية الأثر

شهد المغرب في العقدين الأخيرين وبحرص وحس ملكي بيئي مشهود دينامية قوية في مجال السياسات البيئية، حيث أُطلقت
عدة استراتيجيات وطنية، من أبرزها الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة (2017-2030)والميثاق الوطني للبيئة
والتنمية المستدامةومشاريع ضخمة في مجال الطاقات المتجددة (محطة نور نموذجاً) وقانون "زيرو ميكا" لمحاربة الأكياس
البلاستيكية، كما انخرط المغرب في اتفاقيات بيئية دولية، واحتضن قمة المناخ COP22، ما يعكس إرادة سياسية واضحة
نحو التحول البيئي. إلا أنه رغم الغنى المحرز على المستوى التشريعي والمؤسساتي والاتفاقي في المجال البيئي، يواجه
تنفيذ البرامج صعوبات ملموسة، أبرزها ضعف التنزيل الترابي للاستراتيجيات، حيث تظل المبادرات متمركزة في مناطق
حضرية دون امتداد فعلي للعالم القروي وغياب التنسيق المؤسساتيوالتقائية البرامج بين القطاعات الوزارية ترابيا و ضعف
الموارد المالية والبشرية المخصصة لحماية البيئة في بعض الجماعات الترابية وضعف ثقافة التقييم والمساءلة البيئية، مما
يُضعف من نجاعة البرامج البيئية في سياق تداعيات غير مسبوقة للتغير المناخي جاثمة على التنمية المحلية.
2. الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لضعف التنفيذ
تُقدر الكلفة السنوية لتدهور البيئة في المغرب بما يفوق 3.5%) من الناتج الداخلي الخام (أكثر من 30 مليار درهم سنويا
حسب دراسة قام بها المغرب بدعم من البنك الدولي سنة 2014 وقد تكون أعمق الآن، فضلا على تدهور المياه والتربة
وهو ما يؤدي الى تقلص في الإنتاج الفلاحي، وتأثير على الأمن الغذائي والصادرات. بالإضافة الى التلوث الصناعي الذي
يقلص جودة الحياة في المدن الكبرى، ويهدد الاستثمار في السياحة، كما أن الصحة العامة تتأثر سلبا بارتفاع معدلات

أمراض الجهاز التنفسي بسبب تلوث الهواء. وبالمقابل نشهد تراجعا كبيرا في حضوروتداول موضوع البيئة سياسيا
وبرلمانيا وهو ما يجعل تعزيز وتقوية المشاركة المجتمعية البيئية تحديا قائما.

3. رهانات المستقبل والبدائل الممكنة

أمام هذه الكلفة المرتفعة وأمام تسارع التحديات المناخية والبيئية ببلادنا يصبح من الضروري إعادة التفكير في النموذج
البيئي الوطني، عبر:
دمقرطة السياسات البيئية وإشراك المجتمع المدني والمواطنين في التتبع والتقييم.
تعزيز العدالة البيئية من خلال توزيع عادل للمشاريع البيئية بين الجهات النائية خاصة الأكثر تأثرا وذات الهشاشة المناخية.
ربط البرامج البيئية بأهداف التنمية المحلية بشكل منهجي.
تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وخلق فرص عمل مستدامة ومواكبة ودعم الشباب الحاملين للمشاريع الخضراء.
تثمين المعطى الرقمي والذكاء الاصطناعي في تتبع المؤشرات البيئية من خلال إعادة تفعيل المراصد الجهوية للبيئة
والتنمية المستدامة والتي تعتبر مرجعا مءسساتيا للتقييم البيئي.

4. التأثير على الأمن الغذائي والزراعي والحيواني:

السياق المناخي الحالي يفرض تعميق وإغناء السياسات العمومية في المغرب في مجال الأمن الغذائي والبيئة، مع
إلقاء الضوء حول الموروث الزراعي والبيئة كتراثين ثقافيين يمثلان جزءا من الهوية المغربية لأاننا بحاجة الى التكيف مع
التداعيات القاسية للتغير المناخي ومنظومتنا الزراعية والفلاحية ومواكبة ذلك بالإبتكار والاسثتمار في التكنولوجيا المستدامة
بتعبئة كل الفاعلين خاصة على المستوى الترابي بما يتناسب مع الواقع المعاش من تكرار سنوات الجفاف والذي أدى إلى
تراجع الإنتاج الزراعي بشكل حاد، وأثر سلبا على الأمن الغذائي ونحن نعلم أن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في
المغرب تعتمد على مياه الأمطار، مما يجعلها عرضة أكثر للتقلبات المناخية. فارتفاع درجات الحرارة وقلة الموارد المائية
سيعمق أزمة صحة وإنتاجية الحيوانات و تهديد أنواع عديدة ما لم ينفذ ورش استعادة عافية القطيع الوطني بحكامة ترابية
وتنسيق واحترام للانظمة البيئية وحماية التنوع البيولوجي بما جادت به الابتكارات المتكيفة والمقاومة للتغير المناخي.

5. الاقتصاد الدائري كفرصة واعدة للبيئة والاقتصاد

أكدت تقارير وطنية أن الاقتصاد الدائري يشكل نموذجاً واعدا من شأنه تحقيق الازدهار من خلال تفعيل منظومات التدوير
الوطنية والمحلية وضرورة اعتماد سياسة وطنية ومحلية مؤطرة تبني ممارسات إعادة التصنيع والتدوير، بما يسمح بتحقيق
دورات متعددة للمنتوجات ويسهم في توفير وظائف جديدة في مجالات الصيانة واستعادة الأجزاء، ويقلل من الاعتماد على
صادرات المواد الخام، مما يعزز من المرونة الاقتصادية المساهمة في تحقيق طموح المغرب ، اجتماعيا و اقتصادياً،
ومستدام بيئياً. فمن غير المقبول مواصلة استيراد النفايات لتلبية الطلب الداخلي وبالمقابل تجميد البرامج والمنظومات ذات
الصلة نجاح الاستراتيجية الوطنية لتقليص وتثمين النفايات التي أطلقت سنة 2019.
السياق الحالي يفرض ضرورة إحداث إطار للحكامة للاقتصاد الدائري (هيئة حكومية لتنسيق وتتبع السياسات العمومية
المرتبطة بالاقتصاد الدائري.) و تفعيل مبدأ "الملوث-المؤدي" Principe pollueur-payeur لتحميل المنتجين
مسؤولية جمع ومعالجة نفاياتهم ووجوب تقييد دعم الدولة بانخراط الجهات والمؤسسات والقطاع الخاص في دينامية
الاقتصاد الدائري مع ابتكار آليات داعمة لادماج القطاع غير المهيكل الذي يلعب دورا محوريا في إعادة التدويرخاصة
المواد البلاستيكية، ضمن منظومة مهيكلة وعادلة على اعتبار أنهم أصبحوا فاعلين اساسيين وبهم يمكن تأمين نجاح
الاستراتيجية الوطنية لتقليص وتثمين النفايات التي تطمح إلى هيكلة 50% من القطاع في أفق السنوات القادمة.

6. خاتمة

إن كلفة ضعف تنفيذ البرامج البيئية لا تُقاس فقط بالجانب المالي بل تقاس بمدى تأثيرها على جودة حياة المواطنين، وعلى
توازن المنظومات الإيكولوجي ةالأمن المائي والغذائي ومسؤولية الجميع في ضمان حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة.
المطلوب اليوم ليس فقط مزيداً من الاستراتيجيات، بل إرادة تنفيذ حقيقية، ومأسسة للتقييم البيئي وترسيخ وعي جماعي
يمارس ولا يُعلن فقط.

الدكتورة نزهة الوفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

راديو بلوس الدارالبيضاء

|

راديو بلوس أكادير​

راديو بلوس الدارالبيضاء​

|

راديو بلوس أكادير​