رحلة “جادة” تقود الطالبة مريم بوعود لتحقيق لقب “قارئ العام للعالم العربي”

في منجز جديد واستثنائي يكرس للتميز المغربي على الصعيد العربي، توجت الطالبة مريم بوعود، نهاية الأسبوع المنصرم بالظهران بالمملكة العربية السعودية، بلقب “قارئ العام للعالم العربي”، برسم النسخة التاسعة لمسابقة “أقرأ” التي نظمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء).

ولعل ما يجعل هذا الإنجاز جديرا بالاحتفاء كون بوعود نالت هذه الجائزة من بين 106 آلاف مترشح ومترشحة من مختلف أنحاء العالم العربي تقدموا للمسابقة، وتأهل منهم عشرة فقط إلى مرحلة التصفيات النهائية قدموا خلالها نصوصا إبداعية أمام لجنة تحكيم الدورة للظفر باللقب الذي باح بسره حصرا لابنة تطوان ذات ال25 ربيعا.

فمن خلال نص بعنوان “سلم الطوارئ” يعرض لطغيان الجانب المادي “المتوحش” على العلاقات الإنسانية في العصر الحديث، وبعرض مباشر في الحفل الختامي للمسابقة في مسرح مركز (إثراء) أمام لجنة التحكيم وفائزين بجائزة نوبل للآداب هما عبد الرزاق قرنح (2021)، وأولغا توكارتشوك (2018)، وجمهرة من مجموعة واسعة من الكتاب والأدباء والقراء في العالم العربي، استطاعت بوعود أن تتقدم على المترشحين الأربعة الذي بلغوا آخر محطة من رحلة “أقرأ”، وتتربع على عرش قراء العالم العربي لهذا العام.

تعليقات أعضاء لجنة تحكيم الدورة جاءت مكرسة لهذا التميز، حيث تحدث الأمين العام لجائزة الملك فيصل، عبد العزيز السبيل، في تعليقه على نص مريم بكونه “قصة قصيرة بامتياز. خلال إلقائك كنت أشاهد فيلما ولم أكن أسمع نصا (..) لقد نجحت في التصوير الموفق”. وفيما تحدث رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، سلطان النعيمي، عن “حضور جميل”، وعن “نص قصصي بامتياز”، نوهت الشاعرة روضة الحاج بقدرة مريم على “المعالجة الدقيقة لوحشية العالم وماديته” وعن كون نصها “دعوة مباشرة إلى أن ننتبه لمن هم من حولنا”.

في تعليقها عن هذا المنجز، قالت بوعود في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش الحفل، إن الأمر يتعلق ب”تتويج لمسار طويل من العمل الجاد والقراءة المنهجية والممنهجة والبحث الأكاديمي، ولا ينحصر فقط في شهرين أو ثلاثة أشهر، وإنما يمتد لسنوات”.

على أن لهذا المنجز أسرارا كثيرة هي التي مكنت مجتمعة من بلوغ مريم، الطالبة بسلك الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي في تخصص الترجمة، لهذا المستوى، وهي الأسرار التي باحت بها سرا سرا، متحدثة عن البيئة الحاضنة منذ الطفولة، وعن الشغف، وعن دعم الزوج الكريم، وعن لقاء كبار الكتاب والأدباء، وعن كثير من الجد والاجتهاد.

تقول مريم إن “شغفي بالمطالعة بدأ منذ كنت في السن الثالثة حيث كان أبواي يقتنيان لي القصص المصورة التي كانت تشدني ألوانها قبل حروفها. وقد بدأ هذا الشغف بملكة القراءة يكبر معي وأنا أكبر”.

وتضيف “أسرتي هي التي عززت هذه الملكة. كان لوالدي الفضل الأول في تكريس هذه العادة عندي. كانت أمي تقرأ لي، وأبي يقتني لي الكتب ويرشدني إلى طريقة قراءة منهجية حتى أتمكن من تمحيص ما أقرأ، وأفكر فيه ولا ألتهمه فقط”.

على أن زوج مريم، عماد العطار، ساهم بدوره في تتويجها باللقب هو الذي سبق له الفوز بجائزة “أفضل مبادرة لتعزيز ثقافة القراءة ومجتمع المعرفة”، برسم دورة سنة 2023 ل”جوائز محمد بن راشد للغة العربية” التي تنظمها مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، عن مبادرته “نادي القراء”.

عن هذا الإسهام قالت مريم “تزوجت بالعطار قبل سنة، وكان له الأثر البالغ في دعمي، لأنه هو الذي حثني على المشاركة في هذه المسابقة وظل يذكرني بموعد آخر أجل للتقديم لها. كما رافقني في الحفل الختامي، وهو يصر على أن يتابع كل التدريبات التي أحضرها”.

لا تخفي مريم فضل تجربة مسابقة (أقرأ)، والتكوينات التي استفادت منها في إطارها، في بلوغها لهذا المستوى. فإذا كان كل شغوف يبحث عمن يتقاسمه شغفه، فإن هذه التجربة كانت “فريدة جدا من نوعها، وأهم ما فيها أنها لاقتني بأناس يشبهوني كونت معهم علاقات لن تنتهي بانتهاء المسابقة، تماما مثلما أتاحت لي لقاء كتاب وأدباء قدموا لنا محاضرات على مدى 18 يوما، وكذا لقاء فائزين بجائزة نوبل للآداب، ومفكرين آخرين لهم إشعاع عبر العالم”.

هل سيأتي يوم يتعرف فيه العرب على مريم الكتابة بعدما عرفها اليوم قارئة، وفي أي مجال تحب ابنة تطوان أن تكتب؟ تقول مريم “في الواقع، ما زلت أكتشفني، ما أقوم بها حاليا هو محاولات ولا يمكن أن أحسم الطريق التي سأسير عليها. لكنني إنسانة شغوفة بالأدب. وأعتقد أن الأدب هو بوابتي التي يمكنني من خلال تمرير أفكاري”.

في معرض ردها على سؤال حول ضمور الشغف بالقراءة في ظل الهوس بوسائل التواصل الاجتماعي في صفوف ناشئة اليوم، تقول مريم إن “القراءة لا يجب أن تكون بدافع المشاركة في المسابقات أو الظهور الإعلامي، بل يجب أن تكون سلوكا يوميا”. أما عن الذين لا يقرؤون، فذلك يعزى فقط إلى أنهم “لم يلتقوا بعد بالكتاب الذي يدخلهم لهذا العالم”. ولهذا “فرسالتي لمن هو على هذه الحال أن لا يبحث عن الكتب، بل يبحث عن نفسه في الكتب، وسيجد حينها طريقه في جعل القراءة سلوكا يوميا”.

يشار إلى أن مسابقة “أقرأ” التي تعد إحدى مبادرات أرامكو السعودية، نظمت هذه السنة تحت شعار “القراءة جسر عبور”، وتهدف إلى نشر ثقافة القراءة وتقدير المعرفة في المجتمع.

وعلى مدار دوراتها التسع، شارك في المسابقة أكثر من 225 ألف متقدمة ومتقدما، وشهدت 48 ألف ساعة تعليمية، ومشاركة أكثر من 600 متحدثة ومتحدث من 30 دولة حول العالم.

ومع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى