بهية بنخار تكتب.. مبادرة الحكم الذاتي تتأكد كحل واقعي ونهائي لنزاع الصحراء وتعزز مكانة المملكة كقوة إقليمية

المغرب أمام مجلس الأمن: مبادرة الحكم الذاتي تتأكد كحل واقعي ونهائي لنزاع الصحراء وتعزز مكانة المملكة كقوة إقليمية

عشية التصويت المرتقب والمفصلي في مجلس الأمن على قرار تمديد ولاية بعثة المينورسو، والذي يُنتظر أن يكرس الدعم الدولي لـمبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد وواقعي لحل النزاع المفتعل، يؤكد المغرب مجددًا مكانته كقوة إقليمية وازنة، مسؤولة وفاعلة.

إنها فرصة تاريخية لكي نستجلي كيف نجحت الدبلوماسية المغربية، بـثباتها الاستراتيجي ورؤيتها المتبصرة، في فرض الحقيقة التاريخية لقضية الصحراء، وكيف باتت التحولات العميقة في المواقف الدولية تدفع المنظومة الأممية إلى مواجهة اختبار صريح ومُلزِم: إنهاء نزاع مصطنع طال أمده، خدمة لوحدة المغرب وسيادته، ولأمن واستقرار الفضاء المغاربي والقارة الإفريقية جمعاء.

القوة الهادئة لعقيدة وطنية غير قابلة للتصرف

يدخل المغرب هذه المرحلة الأممية الحاسمة لا بصفة الطرف المطالب أو المتوسل، بل كـفاعل سيادي عريق، واثق من شرعية قضيته وعدالة موقفه التاريخي.

فقضية الصحراء ليست مجرد نزاع حدودي عابر، بل هي تجسيدٌ عميق لسيادة وطنية راسخة على كامل التراب، واختبارٌ حقيقيّ لقدرة النظام المتعدد الأطراف على تبنّي منطق الواقعية وفضيلة البراغماتية بدل الجمود الخطابي الذي يخدم الأجندات التقسيمية.
منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975، انتهج المغرب سياسة تقوم على البناء والعمران لا التصعيد، وعلى التنمية الشاملة لا الصراع. ففي الوقت الذي استثمر فيه آخرون في خطاب الانقسام والوَهم الأيديولوجي، استثمرت المملكة في الإنسان والأرض معًا، وجعلت من مدن صحرائها أقطابًا حيوية للنموّ الاقتصادي والاجتماعي ومراكزَ للانفتاح الإفريقي والدولي.

أما مبادرة الحكم الذاتي، التي قدّمها جلالة الملك محمد السادس سنة 2007، فهي ليست تراجعًا أو تنازلاً سياسيًا، بل هي قفزة نوعية نحو المستقبل، تعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى. فهي تزاوج بين الثوابت الوطنية الراسخة في الوحدة الترابية وحقّ التدبير الذاتي الواسع للسكان المحليين، في انسجامٍ تامٍّ مع مبادئ الديمقراطية والجهوية المتقدمة. وقد باتت هذه المبادرة اليوم تحظى بـاعتراف دولي غير مسبوق من قبل المجتمع الدولي، بوصفها الأساس الجدي والوحيد القابل للتطبيق لحلّ نهائي ودائم.
ضرورة الوضوح من أجل استقرارٍ إقليمي غير رهين يواجه المسار الأممي اليوم خللًا صارخًا ومقصودًا في الموازين. فمن جهة، يقف المغرب ملتزمًا وشفافًا في تعاونه مع الأمم المتحدة. ومن جهة أخرى، تستمر الجزائر في مغالطة تاريخية وسياسة إنكار مكشوفة، حيث عُرفت المموّل والداعم والمُحتضن الرئيسي لحركةٍ انفصالية، بينما تتستر خلف ادّعاءات الحياد المزعوم.

هذه المقاربة، المناقضة بشكل جلي لمبدأ حسن الجوار وأمن المنطقة، جعلت من قضيةٍ إقليميةٍ محدودة مصدر توتر مزمن يُعيق حتمية التكامل الاقتصادي والأمني في المنطقة المغاربية برمتها. لقد آن الأوان لأن تُلزم الأمم المتحدة جميع الأطراف، دون استثناء أو تمييز، بمواقف شفافة ومسؤولة من أجل التقدّم نحو تسويةٍ فعلية وجذرية للنزاع.
المنظومة الأممية أمام اختبار الجرأة والواقعية
لا يمكن لمهمة المينورسو أو لقرارات مجلس الأمن أن تظلّ مجرّد إجراءات روتينية تكرس وضعًا جامدًا ومستنزفًا للموارد. فالعالم اليوم يشهد تحوّلًا نوعيًا وملموسًا في التعاطي مع هذا الملف، إذ انتقل الخطاب الدولي من منطق الوهم الأيديولوجي (الاستفتاء) إلى منطق الحلّ السياسي القائم على التوافق والواقعية.

ويُعدّ التصويت المنتظر يوم 31 أكتوبر فرصة ذهبية للأمم المتحدة لتكريس هذا التحوّل البنّاء والمنطقي. إن مصداقية المنظمة مرهونة بقدرتها على مواكبة هذه الدينامية، ودعم الحل الوحيد الممكن واقعيًا: مبادرة الحكم الذاتي المغربية. فالسلام لا يُصنع بجداول الأعمال البيروقراطية، بل بالإرادة السياسية الصادقة والاعتراف بالحقائق التاريخية والميدانية الثابتة.

جيوسياسيا : التوقعات والتأثير العميق للتصويت

القرار المطروح للتصويت، الذي صاغته الولايات المتحدة بصفتها “الدولة الحاملة للقلم والموجهة” للملف، يعكس بوضوح هذا التوجّه الجديد داخل مجلس الأمن. فرغم أنّ بعض القوى كـروسيا والصين قد تلجأ إلى الامتناع حرصًا على توازن لغوي دقيق، فإنّ المؤشرات تفيد بأن القرار سيُعتمد بأغلبية مريحة.

هذا التصويت، وإن بدا إجراءً إجرائيًا، فإنه يحمل دلالات سياسية بالغة العمق: فهو يمثل انتصارًا مدويًا للواقعية على الأيديولوجيا، وترسيخًا لا رجعة فيه لمركزية مبادرة الحكم الذاتي، وعزلًا متزايدًا للأطروحات الانفصالية التي تجاوزها المسار الدولي. لقد مُنيت بالفشل كل المناورات الأخيرة التي سعت إلى التخفيف من لهجة القرار أو إعادة إدراج مقارباتٍ متجاوزة، وهو ما يبرهن على صلابة الموقف المغربي ووزنه الدبلوماسي المتزايد في المنظومة الأممية.

مستقبل يقوم على السلم والتنمية الإفريقية

المغرب لا يطلب امتيازًا خاصًا ولا استثناء. إنه يطالب بـالعدالة التاريخية والاعتراف بحقيقة راسخة: أن أقاليمه الجنوبية جزءٌ حيوي لا يتجزأ من ترابه الوطني.

وبتثبيت سيادته الكاملة على الصحراء، لا يدافع المغرب عن حدوده فقط، بل يرسّخ استقرار شمال غرب إفريقيا، ويؤسس لـشراكات اقتصادية وتنموية جنوب-جنوب تضع القارة على طريق الازدهار والوحدة. رؤية المغرب هي رؤية إفريقيا موحّدة، مزدهرة، ومتحرّرة من النزاعات المصطنعة.
وبـوطنية راسخة ودبلوماسية مسؤولة، سيواصل المغرب مسيرته بثقة وهدوء واطمئنان، ليجعل من الصحراء المغربية نموذجًا للتكامل الإقليمي وركيزة محورية للتنمية القارية.

وفي الساعات القادمة، سيتابع العالم مجريات التصويت، بينما سيبقى المغرب، كما عهدناه، رأسه مرفوعًا، خطاه ثابتة، وإيمانه راسخٌ بعدالة قضيته وسلامة ووحدة ترابه الوطني في إلتحام وطني تام بين كل المغاربة و ملكهم و ديبلوماسيتهم، فهي القضية التي تجمع كل المغاربة على صوت واحد لا نشاز فيه: الصحراء مغربية و ستبقى مغربية.

بقلم: بهية بنخار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

راديو بلوس الدارالبيضاء

|

راديو بلوس أكادير​

راديو بلوس الدارالبيضاء​

|

راديو بلوس أكادير​