تجريم الأخبار الزائفة والتشهير الرقمي يدخل المنظومة الانتخابية
تجريم الأخبار الزائفة والتشهير الرقمي يدخل المنظومة الانتخابية

تضمنت المنظومة الانتخابية، مادة جديدة لتجريم استخدام وسائل تكنولوجيا الإعلام والتواصل الحديثة من أجل بث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته أو نشر أو توزيع خبر زائف أو ادعاءات أو وقائع كاذبة أو مستندات مختلقة أو مدلس فيها بقصد المس بالحياة الخاصة للناخبين أو المترشحين أو التشهير بهم، وكذا نشر أو توزيع إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات.
وتأتي هذه المادة الجديدة للتصدي لهذه الظاهرة. ففي ظل الثورة الرقمية وتطور أدوات الذكاء الاصطناعي انتشرت بشكل كبير الأخبار الزائفة والمحتويات المفبركة التي تستخدم لتضليل المواطنات والمواطنين أو لتشويه صورة المترشحين خلال فترة الانتخابات، مما يشكل تهديدا حقيقيا لجوهر العملية الديمقراطية.
وتجسد هذه المادة توجها تشريعيا متوازنا يستجيب للتحولات العميقة التي يشهدها الفضاء الرقمي، بهدف تحصين المسار الديمقراطي للمغرب من مخاطر التضليل والتشهير والمحتوى الرقمي المفبرك خلال المرحلة الانتخابية، دون المساس بجوهر حرية الرأي والتعبير المكفولة دستوريا.
ومن مبررات إدراج هذه المادة في المنظومة الانتخابية ضمان حماية فعالة للحياة الخاصة للناخبين والمترشحين ضد كل استعمال لصورهم أو أقوالهم بغرض التشهير بهم. كما تأتي في إطار السعي إلى سد الفراغ التشريعي المسجل على مستوى مواجهة المحتوى المفبرك خلال الفترة الانتخابية.
وتراعي المادة المذكورة، الحق في حرية الرأي والتعبير، من خلال اشتراط توافر القصد الجنائي المتمثل في نية الإضرار أو التأثير غير المشروع على سير العملية الانتخابية، مما يستبعد الحالات التي لا تتوافر فيها نية المساس بالغير، ويجعلها منسجمة مع متطلبات الشرعية الجنائية ومبدأ التناسب المنصوص عليه في الاجتهادات الدستورية والحقوقية.
وبالنسبة للعقوبة التي تنص عليها المادة 51 المكررة والمحددة في الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 50 ألفا إلى 100 ألف درهم، فقد جاءت متناسبة مع خطورة الأفعال المرتكبة.
فهذه المادة تنسجم مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تسمح بتجريم الأفعال المتعلقة بالتشهير الرقمي أو نشر الإشاعات المضللة بالنظر إلى كونها تسعى إلى تحقيق غايات مشروعة معترف بها دوليا ، تتعلق بحماية نزاهة الانتخابات والحياة الخاصة للأفراد.
وبالرجوع إلى القانون المقارن، فإن العديد من التشريعات وضعت آليات تشريعية لمكافحة الأخبار الزائفة والمحتويات الرقمية المفبركة وحملات التضليل الإعلامي خلال الفترات الانتخابية، خاصة تلك التي تستعمل الوسائط الرقمية لنشر محتويات كاذبة أو مضللة، وكذا للحد من استغلال الفضاء الرقمي في نشر الشائعات والأخبار المضللة والتشهير بالأشخاص أو المؤسسات.
وتندرج المادة 51 المكررة في سياق الجهود الرامية لمواجهة التعقيدات المتزايدة للجرائم الإلكترونية وتنامي حالات انتهاك الخصوصية والابتزاز الإلكتروني ونشر الإشاعات أو المحتويات الزائفة أو الأخبار المضللة خلال الفترة الانتخابية بقصد التشهير أو التأثير في العملية الانتخابية، مما يهدد سلامة العملية الديمقراطية.
كما أنها تتبنى نهجا متوازنا، إذ تجمع بين الزجر القانوني الموجه ضد القصد الجنائي، والاحترام الصريح لحرية التعبير والحياة الخاصة، في انسجام تام مع المعايير الدستورية والالتزامات الدولية للمملكة.
وبناء على ذلك، فإن المادة 51 المكررة تمثل خطوة تشريعية في غاية الأهمية في أفق الحد من الأخبار الزائفة والممارسات المسيئة التي قد تساهم في تضليل الرأي العام أو المساس بمصداقية ونزاهة العملية الانتخابية.
ويتوقع أن تكون لهذه المادة آثارا إيجابية ملموسة في الواقع الديمقراطي والحقوقي الوطني، من أبرزها تعزيز ثقة المواطن في نزاهة العملية الانتخابية واستقلالية إرادته في اختيار من يمثله داخل المؤسسات المنتخبة، وردع الحملات الرقمية المضللة والمحتويات المفبركة التي تمس بمصداقية المترشحين أو المؤسسات المنبثقة عن العملية الانتخابية، وحماية الحياة الخاصة وسمعة المترشحين والناخبين من التشهير الرقمي والاستعمال غير المشروع لصورهم أو أقوالهم، وتحقيق توازن فعلي بين حرية التعبير والمسؤولية القانونية في الفضاء الرقمي، بما يعزز الأمن القانوني ويحافظ على جوهر الحرية، فضلا عن ملاءمة التشريع الوطني مع التوجهات القانونية الحديثة في مجال مكافحة الأخبار الزائفة وضمان الشفافية الرقمية، انسجاما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وبناء على ذلك، فإن إقرار المادة 51 المكررة سيشكل خطوة نوعية نحو ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية في الحياة السياسية، وتعزيز الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وإرساء نموذج وطني رائد يوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الرقمية، انسجاما مع مقتضيات الدستور والمعايير الدولية ذات الصلة.
ومع



