رأي: الملك والدستور وحالة الطوارئ الصحية
بقلم.. عز الدين خمريش
قبل توضيح الغاية التي نرجوها من كتابتنا لهذا المقال، علينا التأكيد مع الفقيه ميشال مياي أنه في ميدان العلوم السياسية والانسانية “ليست هناك ضمانات ضد الأخطاء فقد نقع في الخطأ إلا أن خطأنا غير مجاني لأننا لا نستطيع بلورة معلومات جديدة إلا من خلال نقدنا للمعلومات التي قبلناها في فترة معينة”.
وعليه فإن إعلان المغرب لحالة الطوارئ الصحية يعتبر إحدى أهم القرارات السيادية للمملكة والأكثر تأثيرا على حياة المواطنين ضمن حزمة الإجراءات المعلنة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، خاصة ما يتعلق بحرية الأفراد في التنقل والحركة؛ الأمر الذي يجعلنا نضع هذه الممارسة العملية تمرين دستوري تحت المجهر المخبري العلمي والأكاديمي وذلك من خلال قراءتنا الاستنباطية للوثيقة الدستورية لسنة 2011 حول مدى تأطيرها لهذه التدابير من زاوية النص الدستوري منذ ترأس الملك بصفته رئيسا للدولة لأول جلسة عمل قصد متابعة وضعية المغاربة العالقين في مدينة ووهان الصينية، إلى حين نشر وحدات تابعة للجيش المغربي بهدف تنزيل رزمة من القرارات الحكومية المتعلقة باحتواء انتشار هذا الفيروس، حيث يمكن استجلاء الحضور التنفيذي للملك في مجال تدبير الحقل الديني الذي يعتبر مجالا محفوظا للمؤسسة الملكية من خلال فتوى المجلس العلمي الأعلى حول إغلاق المساجد مؤقتا مع الإبقاء على رفع الأذان وذلك بناء على طلب تقدم به الملك كأمير للمؤمنين حيت تجد هده الفتوى سندها الدستوري في أحكام الفصل 42 الدي ينص في فقرته الثانية على أنه “يرأس الملك أمير المؤمنين المجلس العلمي الأعلى الدي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه “كما تضيف الفقرة الثالثة منه” ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا في شأن المسائل المحالة إليه”.
فهكذا ومن خلال استنطاق الفقرتين المشار إليهما أعلاه نجد أن الفصل 42 من الدستور لا يشير إلى الكيفيات التي يدرس بها المجلس العلمي الأعلى القضايا والمسائل المحالة عليه، فإذا كانت عبارة “يتولى دراسة القضايا” المنصوص عليها في نفس الفصل من الدستور، فإن الظهير الشريف المحدث للمجلس العلمي الأعلى قد نص في فصله الرابع على أنه “تناط بالمجلس العلمي الأعلى المهام التالية: التداول في القضايا التي تعرضها عليه جلالتنا الشريفة”.
في حين نجد المادة العاشرة من النظام الداخلي للمجلس تنص على أنه يتخذ قراراته وتوصياته بالإجماع لكن لا يوجد بتاتا ما يفيد أن الفتاوى تندرج في باب القرارات والتوصيات أو تخضع لمسطرة التصويت؛ خاصة إذا ما أخدنا بعين الاعتبار قرارات المجلس العلمي الأعلى هل هي قرارات إدارية قابلة للطعن أمام القضاء؟ لذلك كان لابد من الإشارة إلى أن نص الفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى جاءت مقتضبة وخالية من السند المرجعي للوثيقة الدستورية من خلال تضمينها لإحالة واحدة وهو طلب الفتوى من لدن الملك كأمير للمؤمنين دونما أي إحالة على الفصل 41 من الدستور، كما أنها جاءت مبتورة من حيث السند التاريخي أو الديني من خلال غياب الإحالة على بعض نصوص القرآن أو الحديث أو سوابق مماثلة في التاريخ الإسلامي؛ لكن لغتها كانت أقرب إلى اللغة المؤسساتية منها إلى لغة الفتاوى تجسيدا لمبدأ تدبير الأزمات في إطار دولة القانون والمؤسسات؛ لذلك نجد المؤسسة الملكية في إطار تدبيرها لأزمة كورونا قد ابتدعت شكلا جديدا من أشكال التواصل السياسي بين رئيس الدولة وباقي السلط والمؤسسات الدستورية على شكل “جلسات العمل الطارئة” باعتبارها أحد الأعراف الدستورية الناشئة على ضفاف نهر دستور 2011 التي تتميز بدقة و وحدة الموضوع وما ينتج عنها من قرارات ملزمة للسلطات والمؤسسات العامة؛ وهذا سلوك يحيل إلى شكل وطبيعة الدولة المدنية الحديثة بمؤسساتها ونظامها السياسي.
وهكذا نجد أن تسارع انتشار الوباء قد شكل مصوغا ومبررا للجوء بالموازاة مع جلسات العمل فتوى المجلس العلمي الأعلى إلى تفعيل الفصل 40 من الدستور الذي ينص: “على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وكذلك تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”، وذلك من خلال إعطاء الملك أوامره لإنشاء صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا الذي حمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا كوفيد 19” من خلال نشر المرسوم المنظم بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 مارس 2020.
وتأسيسا عليه وبالنظر إلى ما سبق يمكن القول بأن التدابير والإجراءات المعلنة لمواجهة هذا الفيروس قد امتزجت بين الارتجالية والعشوائية أحيانا وبين الحكمة وضبط النفس أحيانا أخرى من خلال طابعها المتدرج دي النفس الاستباقي المؤطر بأسلوب تواصلي لا تخطئه العين، كما اتسمت بالحضور الفعلي والتنفيذي للملك سواء بصفته كرئيس للدولة أو كأمير للمؤمنين أو بصفته قائدا للقوات المسلحة الملكية مدعوما بالنص الدستوري أحيانا وبالأعراف الناشئة على محيطه أحيانا أخرى، لكن يبدو أن الدولة ومؤسساتها كانت لا تمتلك إلا خيارين أحلاهما مر في حالة تفاقم الوضع أكثر أحلاهما مر: حالة الاستثناء وحالة الحصار ولكي تتفادى اللجوء إلى أحدهما رفعت شعار “المواطن بقا فدارك أحسن لك”.