قراءة دستورية في مشروع القانون 22.20
إسماعيل الأشكورة – طالب باحث في سلك الدكتوراه تخصص القانون العام والعلوم السياسية
أثار مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة نقاشا قانونيا وسياسيا كبيرا، ووجهت بعض مقتضياته بمعارضة من طرف المجتمع المغربي بكل فئاته وبانتقاد من مختلف المهتمين بالشأن الحقوقي والقانوني ببلادنا.
وهمت تلك الانتقادات التي لقيها هذا المشروع من جهة المسطرة التي جرى بموجبها اعتماد هذا النص من طرف الحكومة، ومن جهة أخرى المقتضيات التي تضمنتها بعض مواده وما تثيره تلك المقتضيات من مس وتضييق على الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور المغربي لكافة المواطنين.
وبعيدا عن الجدال السياسي الذي أثاره هذا المشروع بين مختلف الأحزاب والهيئات السياسية، سنحاول في هذا المقال التوقف عند ما يثيره هذا المشروع من إشكالات دستورية وقانونية.
اولا : ملاحظات في مسطرة الإعداد والمصادقة
أثارت الطريقة التي جرى بها اعداد واعتماد الحكومة مشروع القانون رقم 22.20 عدة ملاحظات، تهم أساسا مخالفتها للقواعد التي نص عليها دستور سنة 2011 وكذا للإجراءات التي تأطر العمل الحكومي في مجال المسطرة التشريعية المنظمة من خلال مختلف النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة.
حيث ان الحكومة ممثلة في وزارة العدل، لم تحترم في اعدادها لهذا المشروع مبدأ الديمقراطية التشاركية الذي نص عليه الدستور في فصله الأول والذي اعتبره كأحد مقومات النظام الدستوري للمملكة.
فالمشرع الدستوري وإن منح لرئيس الحكومة بموجب الفصل 78 حق اقتراح القوانين، فإنه ألزم الحكومة بإعمال مبدأ الديمقراطية التشاركية قبل عرض أي مشروع قانون على مسطرة المداولة والمصادقة، بغية أخذ آراء ومقترحات الهيئات الدستورية والوطنية ومختلف الفاعلين والمهتمين وعموم المواطنين، خاصة إذا تعلق الأمر بنص ينظم مجالا ذا أبعاد متعددة مثل شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والذي يرتبط بممارسة أحد الحقوق والحريات الأساسية التي يكفلها الدستور والذي هو الحق في حرية التعبير.
والواضح أن الحكومة غيبت في إعدادها لهذا النص تفعيل مبدأ الديمقراطية التشاركية، حيث كان من المفترض على وزارة العدل قبل عرضه على المجلس الحكومي، أن تفتح مشاورات موسعة حول مضامينه وأن تعمل على أخذ آراء الهيئات الدستورية والمدنية المعنية بحماية والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأخص بالذكر هنا المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أناط به الدستور في فصله 161 مهمة النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها.
وهذا الأمر الذي حاولت وزارة العدل تداركه من خلال بيان وزير العدل الذي قال فيه أنه سيطلب من رئيس الحكومة ومن أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة بمراجعة هذا المشروع تأجيل أشغال هذه الأخيرة، وفتح مشاورات موسعة حول مضامين القانون المذكور مع مختلف الهيئات المعنية.
وإضافة إلى ما سبق، تطرح الصيغة التي حملها بيان الحكومة الصادر عقب اجتماعها المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020 ملاحظة مسطرية أخرى. حيث جاء فيه أن المجلس الحكومي تدارس وصادق على مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، قدمه السيد وزير العدل، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثتين لهذا الغرض.
فالمجلس الحكومي إذن قام بمدارسة النص المذكور والمصادقة عليه مع تشكيل لجنتين تقنية ووزارية لمدارسة الملاحظات المثارة بشأنه، وهو أمر في نظرنا مخالف للإجراءات الشكلية التي تنظم العمل الحكومي في مجال التشريع.
فبالرجوع إلى القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، لاسيما من المادة 19 إلى المادة 23 المتعلقة بمشاريع النصوص القانونية المعروضة على مسطرة المصادقة، وبالعودة إلى دليل المساطر التشريعية والتنظيمية الذي أعدته وأصدرته وزارة العلاقات مع البرلمان تطبيقا للمادة 20 من القانون التنظيمي سالف الذكر يلاحظ أنها خرقت هذه القواعد.
فالحكومة كان عليها أن تؤجل المصادقة على مشروع هذا النص إلى حين حسم اللجنتين التقنية والوزارية في الملاحظات التي تطرحها مقتضياته، وليس العكس، فالصيغة التي اعتمدتها الحكومة تفرض ضرورة إعادة النص إلى المجلس الحكومي بعد انتهاء اللجنتين المحدثتين بغية البث في صيغته النهائية، وهذا ما يسائل الجدوى من المصادقة عليه في المرة الأولى.
وهذه الملاحظات المسطرية تجعلنا نتساءل عن الأداء التشريعي للحكومة خاصة إذا أضفنا إليها غياب مخطط تشريعي يحدد الأولويات الحكومية بشكل واضح ومنسجم.
ثانيا :ملاحظات بشأن بعض مقتضيات المشروع
خلقت المقتضيات التي جاء بها مشروع القانون 22.20 جدلا حقوقيا وقانونيا واسعا بين مختلف المهتمين بالشأن الحقوقي والقانوني، وتركزت الانتقادات الموجهة إلى مضامينه بالخصوص على ما تضمنه الفصل الأول من بابه الثالث والمتعلق بالجرائم الماسة بالأمن والنظام العام الاقتصادي لاسيما المادتين 14 و 15.
حيث تنص المادة 14 على تجريم استعمال شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح أو الشبكات المماثلة في الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض على ذلك، وعاقبت من قام عمدا بهته الأعمال بعقوبة حبسية بين ستة أشهر وثلاث سنوات وبغرامة مالية بين 5000 و 50000 درهم أو بإحدى هتين العقوبتين، ونفس الجزاء نصت عليه المادة 15 بالنسبة لكل من قام عمدا بحمل العموم أو تحريضهم عبر هته الوسائط على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها.
إن ما نصت عليه المادتين السالفتين سيشكل في حالة اعتمادهما بالصيغة التي جاء بها المشروع تراجعن عن المكتسبات الكبيرة التي حققتها بلادنا في مجال حماية حقوق الإنسان، ومسا خطيرا بحرية التعبير والرأي والتفكير التي يكفلها الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا.
فقد يصبح أي تعبير للأشخاص عبر هذه الشبكات عن آرائهم بخصوص منتوج أو بضاعة أو خدمة ما، سببا في تعرضهم لعقوبات ثقيلة، وهو أمر يتعارض في رأينا مع أحكام الدستور لاسيما صريح الفصل 25 منه والذي ينص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها.
فالمشرع الدستوري حين كفل للجميع حرية ممارسة الحق في التعبير والرأي والتفكير، لم يقيد هذا الحق بأية قيود، كما أنه لم يربط ممارسته بأي شرط مثل ما هو عليه الحال بالنسبة لبعض الحقوق التي ربط ممارستها بصدور قانون ينظمها كالحق في الحصول على المعلومة أو الحق في التنقل عبر التراب الوطني الذي ضمنه وفقا للقانون.
ولذلك فإن أي تقييد للحق في التعبير والرأي والتفكير يبقى غير مشروع إلا في الحالات التي تتعارض فيها ممارسة هذا الحق مع حق آخر محمي بنص الدستور أو بأحد الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، وكمثال على هذه الحقوق التي قد تتعرض للانتهاك بممارسة حرية التعبير نذكر الحق في حماية الحياة الخاصة الفصل 24، أو حينما تستغل حرية التعبير في التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف المحظور بموجب الفصل 23.
وفي نفس السياق، يمكن التوقف عند ما أشارت إليه المادة الثانية والتي جاء فيها أن حرية التواصل الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وباقي الشبكات المماثلة مضمونة.
فالمشروع في هذه المادة نص على ضمان الحرية في التواصل فقط دون تأكيد على حرية التعبير والرأي، غير أن هذه الشبكات أصبحت اليوم فضاءات حاضنة للحريات والحقوق خاصة حرية التعبير، ولم تعد وظيفتها مقتصرة على مجرد التواصل بين الأفراد والجماعات.
بالإضافة إلى ما سلف أشارت وزارة العدل في تقديمها لهذا المشروع، أن إعداده جاء لسد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية، و لملاءمة هذه المنظومة مع القوانين المقارنة والمعايير المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الالكترونية، خاصة بعد مصادقة بلادنا على اتفاقية بودابيست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية بتاريخ 29 يونيو 2018.
وبرجوعنا إلى اتفاقية بودابيست، لا نجدها متضمنة لأي مقتضى متعلق بالنظام العام الاقتصادي أو يجرم أي شكل من أشكال الدعوة إلى المقاطعة، وهي بالعكس من ذلك تأكد في ديباجتها على حرص الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية على ضرورة تأمين التوازن الملائم بين المصالح المتصلة بإنفاذ القانون من جهة واحترام حقوق الإنسان الأساسية كما هو منصوص عليه في اتفاقية مجلس أوروبا لعام 1950 بشأن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعهد الدولي للأمم المتحدة لعام 1966 المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من المعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان السارية والتي تؤكد حق كل فرد في التعبير عن رأيه دون أي تدخل، وكذلك الحق في حرية التعبير، بما في ذلك حرية البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها بغض النظر عن الحدود.
هذا التوازن بين ضمان إنفاذ القانون واحترام الحقوق والحريات الأساسية، في رأينا، مختل في الصيغة الحالية لمشروع القانون رقم 22.20 كما صادقت عليه الحكومة.
وإن إعلان الحكومة تأجيلها النظر في هذا المشروع أمر صائب بل ضروري في رأينا، إلى حين تجاوز بلادنا لهذه الظرفية الصحية الصعبة، مع الالتزام بفتح حوار وطني موسع مع مختلف المؤسسات والهيئات والمهتمين حول مضامينه، بما يمكن من ضمان ممارسة كل الحقوق والحريات الأساسية التي يكفلها الدستور لكافة المواطنين والمواطنات في نطاق التلازم بين ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات.