في ذكرى مولده الشريف.. هذا هو نَسبُ النبي ﷺ
د. علي الصلابي
إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أشرف الناس نسباً، وأكملهم خَلْقاً، وخُلُقاً، وقد ورد في شرف نسبه صلى الله عليه وسلم أحاديث صحاح؛ منها: ما رواه مسلمٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
وقد ذكر الإمام البخاريُّ -رحمه الله- نسب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «هو أبو القاسم، محمَّد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصَيِّ، بن كلاب، بن مُرَّةَ، بن كعب، بن لُؤَيِّ، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النَّضر، بن كِنانة، بن خُزيمة، بن مُدْرِكة، بن إلياس، بن مضر، بن نِزارِ، بن مَعَدِّ، بن عدنان». وقال البغويُّ في شرح السُّنَّة بعد ذكر النَّسب إلى عدنان: «ولا يصحُّ حفظ النَّسب فوق عدنان». وقال ابن القيِّم بعد ذكر النَّسب إلى عدنان أيضاً: «إلى هنا معلوم الصحَّة، متَّفقٌ عليه بين النَّسَّابين، ولا خلاف ألبتةَ، وما فوق عدنان مختلفٌ فيه، ولا خلاف بينهم: أنَّ عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام».
وقد جاء عن ابن سعدٍ في طبقاته: «الأمر عندنا الإمساك عمَّا وراء عدنان إلى إسماعيل». وعن عروةَ بن الزُّبير: أنَّه قال: «ما وجدنا مَنْ يعرف وراء عدنان، ولا قحطان إلا تخرُّصاً». وقال الذَّهبيُّ رحمه الله: «وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السَّلام بإجماع النَّاس، لكن اختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل من الآباء». لقد كان -وما زال- شرف النَّسب له المكانة في النُّفوس؛ لأنَّ ذا النَّسب الرَّفيع لا تُنْكَرُ عليه الصَّدارة، نبوَّةً كانت، أو مُلكاً، وينكر ذلك على وضيع النَّسب، فيأنف الكثير من الانضواء تحت لوائه، ولـمَّا كان محمَّد صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ للنُّبوَّة، هيَّأ الله تعالى له شرف النَّسب؛ ليكون مساعداً له على التفاف النَّاس حوله.
إنَّ معدن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم طيِّبٌ، ونفيسٌ، فهو من نسْل إسماعيل الذَّبيح، وإبراهيم خليل الله، واستجابةٌ لدعوة إبراهيم عليه السلام، وبشارةُ أخيه عيسى عليه السلام، كما حَدَّث هو عن نفسه، فقال: «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى». وطيب المعدن، والنَّسب الرَّفيع يرفع صاحبه عن سفاسف الأمور، ويجعله يهتمُّ بعاليها، وفضائلها. والرُّسل، والدُّعاة يحرصون على تزكية أنسابهم، وطهر أصلابهم، ويعرفون عند النَّاس بذلك، فيحمدونهم، ويثقون بهم.
وممَّا تبيَّن يتَّضح لنا من نسبه الشَّريف، دلالة واضحةً على أنَّ الله -سبحانه وتعالى- ميَّز العرب على سائر النَّاس، وفضَّل قريشاً على سائر القبائل الأخرى، ومقتضى محبَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبَّة القوم الذين ظهر فيهم، والقبيلة التي ولد فيها، لا مِنْ حيث الأفراد والجنس؛ بل من حيث الحقيقة المجرَّدة، ذلك؛ لأنَّ الحقيقة العربيَّة القرشيَّة قد شرف كلٌّ منها -ولا ريب- بانتساب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، ولا ينافي ذلك ما يلحق من سوءٍ، بكلِّ مَنْ قد انحرف من العرب، أو القرشيِّين عن صراط الله -عزَّ وجلَّ- وانحطَّ عن مستوى الكرامة الإسلاميَّة التي اختارها الله لعباده؛ لأنَّ هذا الانحراف، أو الانحطاط من شأنه أن يُوديَ بما كان من نسبةٍ بينه وبين الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ويلغيها من الاعتبار.
د. علي الصلابي
مؤرخ، فقيه، ومفكر سياسي ليبي