رأي: حديث في “ديربي العرب”
بقلم: عزيز لعويسي
لا يختلف إثنان في أن “الديربي المغربي العربي” حقق كل الوعود و وفى بكل العهود، ونقل للعرب وإفريقيا والعالم، دروسا بدون “ديدكتيك” ولا “بيداغوجيات”، في كيف تكون رقصات الإبداع في المدرجات، كيف تكون حكايات العشق والإتقان، كيف تصنع الأقدام لوحات الإثارة في الميدان، كيف تحبس الأنفــاس وتشد العيون وتؤسر القلوب، في مدينة بيضاء شاء القدر كما شاء القضاء، أن تتقاسم هيام “الوداد” وعشق “الرجاء”..
وبالقدر ما وجهنا البوصلة نحو “ديربي الجمال” في أكثر من مقال، وما ينفرد به من طقوس تتجاوز قمم الخيال، بالقدر ما نوجه سهام النقد والإدانة، نحو ما أعقب مباراة الجنون، من أعمال فوضى ومشاهد شغب، نعتبرها “طعنة” غادرة صوبت بجبن وانعدام مسؤولية وسوء تقدير، نحو “الجسد الفتان” للديربي المغربي العربي الإفريقي العالمي، وإساءة لا يقبل بها عقل و لا منطق، وانزلاق جبان، في ليلة الجمال والخيال ..
ما حدث من انفلاتات متعددة المستويات، عقب نهاية مباراة “التاريخ” و”الجنون”، هو “كبوة” في مضمار الجمال، وزلة اخترقت طقوس الخيال .. هو “تحرش” بديربي الأحلام في ليلة العرس الكبير، الذي نجـازف في القول، أنه كان من أقوى أعراس “الديربيات” عبر التاريخ، وأكثرها سخاوة وتشويقا وسحرا وإثــارة، وكأنه فلتة من فلتات زمن الإبداع والتميز والجمال ..
ديربي تجاوز حدود العرب و اجتاز مطبات القارة السمراء، وسما بكبرياء في سماء الكرة العالمية .. ما شاهدناه في الميدان من متعة وجمال وإتقان، وما تناقلته عدسات الإعلام، يدفعنا للقول، أن “الديربي” لم يعد في ملك “المدينة البيضـاء”، ولا منتجا كرويا مغربيا خالصا يحمل علامة “صنع بالمغرب” .. هو “رأسمال لامادي” عربي إفريقي إنساني، يتجاوز أنفاس الوطن ونسائم العروبة، يقتضي الصون والحماية، والتحلي بروح المسؤولية والانضباط ..
ما حدث عقب نهاية المباراة، يقتضي التعبئة الجماعية، لمواجهة ليس فقط، التصرفات المهووسة بالشغب والعنف والانفلات،والخروج عن النص في لحظات الهزيمة والانكسار، ولكن للتصدي، لكل السلوكات والممارسات الخفية والمعلنة، التي تنتهك حرمة الديربي بدون خجل أو حيـاء، بحثا عن جني مكاسب ظرفية أو أرباح جبانة، في ديربي جماهيري، أضحى “سفيرا فوق العادة” لمدينة بيضاء، ولبلد مغربي بنفس عربي وعمق إفريقي ..
وفي لحظات الجمال، نقفل عنوة أبواب “الكبوات” و”الزلات”، فلكل حصان كبوة ولكل لسان زلة، ولا يسعنا إلا أن نقدم قربان الجمال في طقوس الصمت، لأن الصمت في حضرة الجمال .. جمال .. عسى أن تكون “روح الديربي”، مناسبة للارتقاء بالسلوكات والتحلي بقيم “الروح الرياضية”، في مباريات الرابح الأكبر فيها هو “الوطن” وتوهج وإشعاع الوطن .. فرصة سانحة، للتنازل عن الأنانية السامة والنعرات الهدامة، ومد جسور التلاقي والتآخي، في وطن عربي، ما أحوجه اليوم إلى “ديربي” يجمع الشمل ويقي حر التفرقة والشتات، ومن يدري، فقد تحقق “الرياضة” ما عجزت عنه “السياسة”..