رئاسيات جزائرية هل ستكون مدخلا للديمقراطية والتنمية أم استمرارا لعرقلة المغرب ؟

عبد الله بوصوف

عندما خرج الشعب الجزائري للشارع في شهر فبراير من سنة 2019..عبر ما عُـرف إعلاميا ” بالحراك الشعبي ” ، فقد كان يحتج على رفضه لتمديد العمر السياسي للنظام العسكري القابض على مقاليد السلطة منذ انقلابه على رموز الثورة الجزائرية سنة 1962…

من خلال العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة..كما كان يحتج على تردي و  تراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدولة غنية بمواردها الطبيعية و خاصة البترول و الغاز الطبيعي..

و رغـم حملات القمع و الاعتقالات في صفوف زعماء الحراك الشعبي، فقد وصلت مطالب الشعب الجزائري الى مسامع العالم عبر تقارير إعلامية و منظمات حقوقية باوروبا و أمريكا ..

جعلت النظام العسكري  يتراجع و ” يـأكل ” أولاده بدءا من عزل الرئيس بوتفليقة و تسميم ” القايد صالح ” و الإعلان عن رئاسيات تأجلت بضغط من الشارع الجزائري مرتين في ابريل و يوليوز من سنة 2019..

عندها هدد عسكر الجزائر بالرفع من قبضة الحديد و النار ( إعتقال أكثر من 300 متظاهر ) في مواجهة زعماء الحراك الشعبي الرافضين لتنظيم رئاسيات شهر دجنبر 2019 بمشاركة أطراف تنتمي الى النظام الحاكم و منهم من تولى وزارات و رئاسة الحكومة في عهد بوتفليقة

و نقصد به الرئيس الحالي السبعيني ” عبدالمجيد تبون ” و هي الانتخابات التي لقيت معارضة شديدة لنتائجها شهِـدت عليها نسبة المشاركة بأقل من 40% و هي أقل نسبة مشاركة منذ الانقلاب على الثورة الجزائرية سنة 1962.

و المثير للسخرية أن بعض الأبـواق الإعلامية كالصحافيين عبد الحفيظ الدراجي و خديجة بن قنة ، كانا من الرافضين لنتائج الانتخابات و بالضبط لشخصية ” تبون ” فالدراجي اعتبر أن ” رحيل الرئيس ” سيضاف إلى مطالب الحراك الآن و ان الانتخابات مزورة ، في حين أن ” بن قنـة ” صرحت أن ” تبون كان وزيرا في كل حكومات بوتفليقة المتعاقبة و أقسم بلسانه أنه لن يحيد عن برامج ” فخامته ” مهما كانت الظروف…

و اعتبر الرئيس ” تبون ” يوم أداءه القسم بأنه لم يعد هناك كلمة حراك واصفا معارضيه بالمرتزقة و الطابور الخامس..

لكن استمرار الحراك الشعبي و الضغط الخارجي دفع النظام العسكري الى إعلان تنظيم تشريعيات مبكرة…لتغيير جلـد البرلمان الجزائري ثم إعلان تعديل دستوري يـركز كل السلطات في يـد رئيس الجمهورية…

لم تنفع العديد من الحملات الإعلامية المدفوعة الثمن في إخراج النظام الجزائري من عزلته الدولية..

حتى إعلانه عن ” قانون استثمارات جديد ” يطلق يـد الشركات الأجنبية في عمليات استخراج و إنتاج الغاز و البترول مقابل ضخ عملة صعبة تنفع الجزائر في شراء أسلحة ليس للدفاع عن مصالح الشعب الجزائري و لكن لدعم حركات انفصالية و إرهابية سواء في تيندوف او دول جنوب الصحراء الساحل..

و يكفي التذكير بوزن منصة احتفال ذكرى استقلال الجزائر ، وغياب أغلب قادة الصف الأول في مؤتمر الجامعة العربية الذي كاد أن يفقـد معناه بعد تعـدد حالات تأجيله و رفض الجامعة العربية الانصياع لأجندة النظام العسكري الجزائري…

كما يكفي التذكير بحملات السخرية من تنظيم  بطولة ” الشأن ” الافريقية بالجزائر…

و لم يتنفس النظام العسكري إلا باندلاع الحرب في أوكرانيا و رغبة أوروبا في تعويض الغاز الروسي وهو ما أنعش خزينة سونطراك و أخرج الرئيس ” تبون ” من عزلته بتوافـد رؤساء حكومات و شركات مالية وبترولية من أجل توقيع عقود التزويد بالغاز و البترول..

بطبيعة الحال فهي عقود طويلة الأمد مع امتيازات كبيرة…و اصبحنا نتابع تصريحات ” فخامة ” الرئيس في بعض قنوات باريس و لقائين متتاليين بالجزيرة برنامج ” لقاء خاص ” 22 مارس و بودكاس الجزيرة ليوم 6 ابريل 2023 من تنشيط الصحافية الجزائرية خديجة بن قنـة…

بعد رتابة اسئلـة صحافة الدوري المحلي الجزائري و التي كان يخصصها لسـرد عنترياته و فتوحات النظام العسكري في مجالات الديمقراطية و الدفاع عن الحريات بكل من افريقيا و أوروبا…

و رغم كل هذا ، فان الشعب الجزائري لازال يموت غرقـا في البحر المتوسط ، و لازال واقفا في طوابير الخبز و الحليب و اللحم… ،

ولازال ” الحراك الشعبي ” ينبض بمطالب مشروعة في العيش الكريم و الاستفادة من عائـدات الثـروات الكبيرة في الصحة و التعليم والسكن و الشغل…

كغيره من مواطني بـلدان الغاز و النفط في الخليج العربي ، و ليس التباهي بتخصيص ” بقشيش ” للعاطلين في كل محطات التلفزيون…

اليوم و نحن على مشارف نهاية العُهـدة الأولى للرئيس ” عبد المجيد تبون ” و الاستعداد لرئاسيات سنة 2024..يمكننا القول إن النظام العسكري سيجـدد ثقـته في الرئيس ” تـبون ” لولاية ثانية وهو على مشارف الثمانينات من العمـر ،

وهو ما يعني من جهة ، ضمان استمرار عـقـيدة النظام العسكري على مستوى الداخل و استنزاف ثروات البلاد و قمع المعارضين و اعتقال المطالبين بحقوقهم من الثروة الوطنية…

و من جهة ثانـية ، ترسيخ عُـقـدة  النظام على المستوى الخارجي ، بخلق معارك نفسية تتعلق بالذاكرة و التاريخ سواء مع المستعمِـر الفرنسي في مواضيع الذاكرة المشتركة و الجماجم و السجال السياسي حول عدم وجود ” أمة جزائرية ”  و احتضان مقر حكومة القبائـل بباريس و تكريم أحفاد ” الحرْكة ” و الأقدام السوداء من طرف الايليزي….

أو تكريس ” ديبلوماسية الغاز ” في كل تحركاتها سواء بـدول الجوار كتونس و ليبيا او بدول الساحل جنوب الصحراء..

أو بداخل أروقة ” حركة عدم الانحياز ” والإتحاد الافريقي لشراء الولاءات و الأصوات من اجل الترويج لبضاعة البوليساريو الفاسدة بمخزن تيندوف..أو محاولة تصحيح الوضع الداخلي كشرط للانضمام لدول البريكس،

إذ زلً  لسان  ” تبون ” اثناء هـذيانه في لقاء مع قناة الجزيرة بقوله… بضرورة القيام بإصلاحات تخص الرفع من الدخل القومي و مؤشرات إقتصادية…كشروط للانضمام للبريكس ..

فماهي نقاط برنامج رئاسيات تبون لسنة 2024..إذا عملنا أنه طيلة ولايته الأولى كان يحاول إطفاء نار الحراك الشعبي و إشعال النار في خيمات تينـدوف…

فلا هو أفلـح في تحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري و لا هو حفظ كـرامته من طوابير تحت شمس حارقة…

بل استمر في محاولات تشويه صورة المغرب فسقط في Algerigate   من خلال تورط لوبيات و منظمات تخصص لها سونطراك عمولات صعبة من أجل تقارير إعلامية مفضوحة سرعان ما عجزوا عن حلها بعـد فضيحة إعلامية و قضائية…

كما واضب النظام على محاولات صُنْـع عدو وهمي للشعب الجزائري الشقيق ..في حين عجـز عن مواجهة العدو الحقيقي للشعب وهو الفقـر و البطالة و انعدام مرافق الصحة و التعليم و قمع الحريات…

هذا رغم كل ما يتوفر عليه البلد من إمكانيات طبيعية للتنمية و التطـور…

لكن للنظام العسكري الجزائري أجندة أخرى و تـرتيب آخر لأولويات الشعب…

يعتمد في تسويقها على مجموعة إعلامية ” للإيجار ” فخديجة بن قنـة و الدراجي مثلا.. خرجـا من ” الطابور الخامس”  و أصبحا في مقـدمة طابور النظام ، و يقحمان المغرب في كل خرجاتهما من الرياضة الى الطبخ الى الزليج و القفطان و الطاجين و غيره…

وأصبحا بذلك الدراع الإعلامي للنظام بالخارج و مؤثـرين بشبكات التواصل الاجتماعي و تحت تأثـير قـوة  دولارات سونطراك…و قس على ذلك أقلام و منابر إعلامية و حقوقية و حتى شخصيات قضائية بأوروبا…

إن ما يعيشـه نظام الجارة الشرقية من وهـن سياسي و محاولة التغلب على عُـقدِه النفسية اتجاه المملكة المغربية الشريفة التي دافعت عن استقلال الجزائر بهيئة الأمم المتحدة في عهديْ السلطان محمد الخامس و الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما..

و آوت مجاهديها بدءا من ” الأميرعبد القادر ” الى قادة الثورة الجزائرية بمدن الشرق و الريف المغربي و خاصة بمدينة الناظور…

و استمرت سياسة اليـد الممدودة مع الملك محمد السادس..رغم قطع العلاقات الديبلوماسية و إغلاق الحدود و المجال الجوي…

و رغم إقحام المغرب في حروب خسرتها الجزائر كالرمال و أمكالة ، وملف الصحراء المغربية الذي يعتبـره النظام الجزائري معيار لتزكية كل مرشح للرئاسيات واعتباره معركة شخصية للمرشح ..في حين يعتبره المغرب قضيته الأولى و انها قضية وُجُـود و منظاره للعـالـم…

فهل سننتظر طويلا ولادة جيل سياسي جزائري جديد متصالح مع تاريخه و مع محيطه ، و يضع نُصْب أولوياته تنمية الجزائر ، لا جيوب جنرالات النظام و الشركات العالمية..و يقطع مع جيل رضع من ثـدي جهالات التاريخ و نظريات المؤامـرة..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى